الحقوق

ما يرد في هذه المدونة من معلومات وأخبار خاصة هي ملك للجميع ومن حق أي شخص نقلها، وإن تفضل وأشار إلى المصدر فهذا فضلاً منه

14.8.08

ظاهرة العمالة السائبة أو غير القانونية في البحرين


د.جاسم حسين

دشنت السلطات البحرينية في الأول من شهر يوليو »تموز « الماضي جانباً حيوياً من مشروع إصلاح سوق العمل وتحديداً زيادة التكلفة المالية لتوظيف العمالة الأجنبية. ويهدف مشروع إصلاح سوق العمل الذي دخل حيز التنفيذ قبل سنوات عدة إلى جعل المواطن البحريني الخيار المفضل للعمل في القطاع الخاص. ومن أجل تحقيق هذا الهدف يركز المشروع على تدريب وإعادة تأهيل المواطن بالتوازي مع رفع تكلفة توظيف العامل الأجنبي.
بدأت السلطات البحرينية بإجراء زيادة نوعية قدرها 120 في المائة في الرسوم المفروضة على العمالة الأجنبية العاملة في مؤسسات القطاع الخاص، فضلاً عن مختلف المجالات المدنية في القطاع العام. بيد أنه لا ينطبق أي نوع من الرسوم على الأجانب العاملين في الأجهزة العسكرية لأسباب أمنية.

تكلفة توظيف العامل الأجنبي
ابتداء من يوليو الماضي ارتفعت تكلفة توظيف العامل الأجنبي من 200 دينار (533 دولاراً ) إلى 440 ديناراً (1164 دولاراً ) عن كل سنتين وهي مدة صلاحية رخصة العمل. وفي التفاصيل، تم الاحتفاظ برسم إصدار تصريح العمل لمدة سنتين وقدره 200 دينار. أما الإضافة فعبارة عن رسم قدره 10 دنانير (26 دولاراً ) شهرياً يتحمله كفيل العامل الأجنبي. ويأمل المسؤولون في أن تؤدي زيادة التكلفة إلى إقناع أرباب العمل بتوظيف المواطنين على حساب الأجانب. ولا شك أنه في مقدور المؤسسات توظيف العمال الأجانب، لكن عليها تحمل أعباء مالية ليست قليلة وخصوصاً بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة. وعلى هذا الأساس ربما يعد توظيف العامل الأجنبي نوعاً من الرفاهية غير الضرورية بالنسبة لبعض المؤسسات.
ومنذ بدء تطبيق هذا النظام الجديد تحولت صلاحية إصدار رخص العمل للعمالة الأجنبية من وزارة العمل إلى هيئة تنظيم سوق العمل وهي مؤسسة حكومية. وتقوم الهيئة والتي تعرّف اختصاراً بالحروف الأولى لاسمها الإنجليزي (إل إم آر إي ) بتحويل 80٪ من الأموال المحصلة إلى هيئة أخرى تعرف باسم ''صندوق العمل'' لغرض صرفها على أمور تتعلق بتعزيز فرص العمل للمواطنين. ويضم صندوق العمل ممثلين من القطاعين العام والخاص، فضلاً عن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وممثلين عن العمال.
ويتم تحويل الإيرادات الأخرى (20٪ ) إلى خزانة الدولة. كما يعمل صندوق العمل على توفير فرص تدريب وإعادة تأهيل للبحرينيين الراغبين في العمل في المجالات المستهدفة مثل الطيران والمحاسبة ومهن مطلوبة أخرى في سوق العمل. ويتوقع أن تزيد قيمة إيرادات الهيئة على 65 مليون دينار سنوياً (172 مليون دولار).

تصحيح أوضاع العمالة الأجنبية
قبل دخول الرسوم موضع التنفيذ قررت هيئة تنظيم سوق العمل ترتيب أوضاع العمالة الأجنبية عن طريق حفظ معلومات كاملة عنهم، وبدأت عملية تسجيل الأسماء في الفصل الرابع للعام 2007 في خطوة جادة لتنظيم جمع إحصائيات حيوية صحيحة ومستجدة عن العمالة الأجنبية في البلاد. وقررت الهيئة منح العمالة الأجنبية المخالفة لقوانين العمل فترة عفو امتدت إلى شهور عدة لتصحيح أوضاعهم من دون تحملهم جزاءات مالية إضافية، وتطلب الأمر تسجيل أسماء وأخذ بصمات وإيداع توقيع إلكتروني لكل فرد من أفراد العمالة الأجنبية المستهدفة .
ويشار هنا إلى أن هذا النظام الجديد لا يشمل العاملين الأجانب في الأجهزة الأمنية والذين لا يتم دفع رسوم عنهم سواء بعد أو حتى قبل تعديل الأسعار، وبالإضافة إلى هذه الفئة من العمالة استثنت السلطات العمالة المنزلية أو الخدم وذلك نظراً لحساسية المسألة. ويعتقد كثيرون أن العمالة المنزلية باتت جزءاً من النسيج الاجتماعي وضرورة معيشية في البحرين تماماً كما هي الحال مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي. وتعد الرسوم الحالية المفروضة على العمالة المنزلية في الوقت الحاضر رمزية، لكن من المتوقع أن تتغير الأمور في المستقبل المنظور.

373 ألف عامل أجنبي
حسب هيئة تنظيم سوق العمل بلغ حجم القوى العاملة في نهاية 2007 تحديداً 503784 عاملاً موزعين على النحو التالي : 130129 عاملاً مواطناً والبقية 373655 عاملاً أجنبياً. لكن لا يشمل الرقم المتعلق بالعمال الأجانب أولئك الذين يعملون في الأجهزة الأمنية والعسكرية في البحرين وهي وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة الحرس الوطني وجهاز الأمن الوطني. وعلى هذا الأساس ربما يكون العدد الحقيقي للعمال الأجانب نحو 400 ألف بعد إضافة أولئك غير المشمولين.
وقد توزع العمال الأجانب ما بين 274 ألفاً يعملون في القطاع الخاص و4 آلاف مسجلين كفنيين ومستشارين في مختلف إدارات الدولة، كما إن هناك نحو 65 ألفاً مصنفين ضمن العمالة المنزلية. أما البقية وعددهم 30 ألفاً فيعرفون محلياً تحت مسمى ''الفري فيزا ''. وتعني هذه العبارة أن الأجنبي يمتلك تأشيرة تؤهله للقيام بأي وظيفة يحصل عليها فهو حر وطليق وغير ملزم بعقد مع أي جهة.
وتتمثل هذه الظاهرة بقيام بعض المواطنين باستخدام نفوذهم لاستصدار تصاريح عمل للأجانب ومن ثم جلبهم للبحرين للعمل في وظائف غير محددة. وغالباً ما يتم زج هؤلاء في سوق العمل للحصول على أي وظيفة ممكنة. ومن المفارقات أن عامل ''الفري فيزا '' يبدي استعداده أحياناً للقيام بأي وظيفة لقاء الحصول على بعض المال. فمثلاً يدعي أنه كهربائي، لكنه في الواقع لا يعرف عن الأخطار المحدقة بهذه المهنة المتخصصة وربما تكون النتيجة مأساوية في نهاية المطاف.
وفي حقيقة القول، لا يمكن توجيه اللوم للأجنبي في هذه الحالة نظراً لحاجته للمال، بل قد يكون في أمسّ الحاجة لبعض النقود. فهو غير مرتبط بعقد محدد أثناء وجوده في البحرين، وليس لديه مصدر رزق محدد. بل المطلوب من الأجنبي الموجود في البلاد أن يدفع لصاحب التأشيرة مبلغاً شهرياً أو فصلياً متفقاً عليه مسبقاً. بمعنى آخر فإن الآية مقلوبة في مسألة ''الفري فيزا '' إذ إن الأجنبي عليه أن يكون مصدر رزق للمحلي المتنفذ.

البطالة في أوساط المواطنين
اعتبرت هيئة تنظيم سوق العمل كل أجنبي لم يسجل اسمه طواعية أو عن طريق الكفيل قبل الأول من يوليو الماضي مخالفاً لأنظمة العمل في البلاد. وتبين لنا أثناء البحث أن نحو 40 ألف عامل أجنبي أو 13٪ ممن تنطبق عليهم الشروط آثروا عدم تسجيل أسمائهم لدى الهيئة ما يعني أن وجودهم في البلاد يعد مخالفاً لقوانين العمل. وقد تبنت هيئة تنظيم سوق العمل مصطلح ''العمالة غير القانونية ''، مفضلة هذه التسمية على مصطلح العمالة السائبة بالنسبة للأجانب المخالفين لقوانين العمل .
ويشكل وجود هذه العمالة غير القانونية أو السائبة تحدياً سافراً لأنظمة الدولة المضيفة يستحقون بموجبها الغرامات والجزاءات.
ويشكل الوجود النسبي الكبير للعمال الأجانب (يمثلون نحو ثلاثة أرباع حجم القوى العاملة ) أحد أسباب انتشار البطالة (أو العطالة وهي الكلمة المحببة لدى المسؤولين ) في أوساط المواطنين. فحسب تقرير لصحيفة ''فاينانشال تايمز'' البريطانية نشر بالتزامن مع فرض الرسوم الجديدة على العمالة الأجنبية، تعاني مملكة البحرين من معضلة بطالة في أوساط العمالة الوطنية تتراوح نسبتها بين 8 و12٪. بل إن المشكلة أكثر خطورة عند النظر لموضوع نقص التشغيل أي المواطنين الذين يعملون في وظائف دون مستوياتهم العلمية أو لساعات محددة فقط في اليوم (أقل من 8 ساعة عمل يومياً).
ويمثل العمال الأجانب الأغلبية الساحقة من العمالة في القطاع الخاص، إذ شكلوا في المجموع أكثر من 80٪ من مجموع العمالة في نهاية .2007 وبلغ عدد أفراد العمالة الأجنبية نحو 274 ألف فرد من أصل 340 ألف عامل في القطاع الخاص، وكان الأجانب يشكلون أقل من هذه النسبة المرتفعة في مطلع العقد (أقل من 70٪ في العام 2001 )، بيد أنه ارتفعت حدة توظيف العمالة الأجنبية في السنوات القليلة الماضية لتنفيذ مشاريع تنموية وذلك على خلفية تعزيز الإيرادات النفطية ما سمح بمزيد من النفقات.

سوء معاملة العمالة الوافدة
على الجانب الإنساني يوفر الوجود النسبي الكبير للعمالة الأجنبية فرصة سانحة لضعاف النفوس لاستغلالهم، ولا يحصل بعض العمال الأجانب على أجورهم في التواريخ المتفق عليها. فبعض أرباب العمل يتعمدون تأخير دفع الرواتب، الأمر الذي يعد ظلماً وإجحافاً بحقوق العمال الأجانب. ويفوت على أرباب العمل أنهم يلحقون الضرر بأنفسهم في نهاية المطاف، إذ لا يقف بعض العمال الأجانب مكتوفي الأيدي حيال هذا الواقع المر، ويقوم البعض منهم بأعمال انتقامية ضد الشركات التي يعملون لديها مثل السرقة والتحايل في أداء المهام المنوطة بهم وسوء معاملة الزبائن.
إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة العمل لساعات طويلة، إذ يلاحظ أن بعض المؤسسات تلزم الموظفين الأجانب بالعمل لساعات قد تمتد إلى نصف يوم كامل. بالمقابل يدعي بعض أصحاب الأعمال أنهم يدفعون للوقت الإضافي لكن في الغالب ليس بمقدور العمال الأجانب رفض الأوامر، كما إن بعضهم لا يعرف على وجه الدقة يوم العطلة الأسبوعية فالأمر متروك لصاحب العمل.
أيضاً هناك ظاهرة الزج بعدد كبير من العمال في غرفة واحدة، إذ يميل بعض أصحاب الأعمال إلى حشر أكبر عدد ممكن من العمال في غرفة واحدة مزودة بمرفق صحي واحد من دون اعتبار للآثار السلبية المحتملة على صحتهم. وربما يتحجج بعض أرباب الأعمال بأن السكن المتوافر لبعض العمال الأجانب أفضل مما يحصلون عليه في بلدانهم، لكن هذه المقارنة غير صحيحة لأسباب عدة منها أنها تؤثر سلباً في صحة الناس حيث يتعامل هؤلاء مع المجتمع برمته.
وختاماً يمكن اعتبار ظاهرة العمالة السائبة أو غير القانونية من الأمور الخطيرة في سوق العمل لأنها تتسبب في حدوث بطالة في أوساط العمالة الوطنية نظراً لقبولهم رواتب متدنية نسبياً، بل تتعدى السلبيات لتشمل تشويه الإحصاءات المرتبطة بسوق العمل .
وهناك حالات من الاستغلال لبعض العمالة الأجنبية السائبة أو غير القانونية، الأمر الذي يعد انتهاكاً لحقوقهم وتشويهاً لسمعة البلد المستضيف في التقارير الدولية.


- جريدة الوطن البحرينية

ليست هناك تعليقات: