الحقوق

ما يرد في هذه المدونة من معلومات وأخبار خاصة هي ملك للجميع ومن حق أي شخص نقلها، وإن تفضل وأشار إلى المصدر فهذا فضلاً منه

16.10.11

قراءة في المرسوم بقانون بشأن تعديل قانون النقابات العمالية


§ المرسوم حظر تشكيل اتحادات نقابية عامة وحصرها في الاتحادات القطاعية

§ العديد من الحريات النقابية انتهكت وتعديل واحد فقط يتطابق مع معايير العمل الدولية

§ "غرفة التجارة" تتنصل من موقفها الرافض للتعددية وتعتبره اليوم مكسباً

§ تساؤلات حول التمثيل العمالي في المجالس الثلاثية

تقديم:

خاص- الاشارة إلى المصدر في حالة النقل: صدر عن عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة مرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2011، والقاضي بتعديل البندين الأول والثالث من المادة رقم (8) وتعديل المادة رقم (10) من قانون النقابات العمالية رقم (33) لعام 2002م[i]، في يوم 9 أكتوبر 2011م، وهو ذات اليوم الذي افتتح فيه جلالته دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الثالث لمجلسي الشورى والنواب.

وعلى المرسوم بقانون العديد من الملاحظات، ليس أولها دستورية المرسوم ومدى توافقه والمادة (38) من دستور 2002، وليس آخرها ما احتوته تلك النصوص من تمهيدات تهدف إلى "ترويض" الحركة العمالية وجعلها كباقي المؤسسات الشكلية في البحرين، بحيث يصبح لديك برلمان لكنه فارغ في محتواه، ولديك جمعيات سياسية مقيدة بالقوانين، وجمعيات أهلية تمسك رقبتها وزارة التنمية الاجتماعية، وهلم جرا.

وأحاول في هذه الورقة استعراض المرسوم بقانون وما أدخله من تعديلات على قانون النقابات العمالية، ومدى توافق تلك التعديلات مع معايير العمل الدولية، كما صرّح بذلك وزير العمل جميل حميدان، تمهيداً للخروج بملاحظات وكذلك تساؤلات، كون المرسم فُسر من قبل الوزير بما يخالف النصوص الواردة فيه.

أولاً: دستورية المرسوم بقانون:

صدر التعديل على قانون النقابات العمالية بمرسوم بقانون، أو بما يعرف بمراسيم الضرورة. وقد نظم دستور 2002 الكيفية والأسباب التي تصدر بها المراسيم، حيث نصت المادة (38) من دستور 2002 على إنه "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد كل من مجلس الشورى ومجلس النواب أو في فترة حل مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للملك أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور".

وتوجب المادة في فقرتها الثانية على "عرض هذه المراسيم على كل من مجلس الشورى ومجلس النواب خلال شهر من تاريخ صدروها إذا كان المجلسان قائمين أو خلال شهر من أول اجتماع لكل من المجلسين الجديدين في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك. وإذا عرضت ولم يقرها المجلسان زال كذلك ما كان لها من قوة القانون".

فمراسيم الضرورة لها قوة القانون يصدرها الملك في غياب السلطة التشريعية، فيما بين أدوار انعقاد مجلسي الشورى والنواب وبعد انتهاء الفصل التشريعي أو في فترة حله، لتسد فراغاً تشريعياً عندما تدعو الضرورة إلى تدخل تشريعي لتنظيم موضوع من الموضوعات التي لا تنظم بأداة أدنى من القانون، شريطة ألا تكون مخالفة للدستور وأن تتوافر فيها صفة الضرورة من جهة، وعرضها خلال شهر على المجلسين بعد انعقادهما من جهة أخرى[ii].

ويوضح أستاذ القانون العام د.أحمد الفارسي بأنه "لا يجوز إصدار هذه المراسيم (يقصد بها مراسيم الضرورة) إلا لضرورة ملحة تقتضي اتخاذ تدابير مستعجلة فإذا لم يكن الظرف الذي صدرت فيه هذه المراسيم استثنائياً فانه لا تتحقق حالة الضرورة التي تبرر إصدار هذه المراسيم. ومن الضروري القول أن هذه المراسيم لا تتمتع بقوه أكبر من القانون فهي لا تملك مخالفة أو تعطيل الدستور"[iii].

وبناءً على ذلك، فإن المرسوم بقانون القاضي بتعديل قانون النقابات العمالية، ومن حيث المبدأ، خالف شرطاً من شروط إصدار المراسيم بقانون، وهو حالة الضرورة، إذ أن المرسوم لم يستهدف تنظيم مسألة قانونية مستعجلة وبحاجة إلى التدخل السريع، وإذا ما افترضنا أن الحاجة كانت مُلحة لتنظيم هذه المسألة، فإن المجلسين عٌقِدا في ذات اليوم الذي صدر فيه المرسوم، وكان بالإمكان عرضه عليهم بصفة الاستعجال، وبالتالي فإن إقرار السلطة التشريعية لهذا النوع من المراسيم سيضفي عليها الصفة الدستورية.

ومما يجدر ذكره في هذا المجال، أن مجلس النواب والشورى ليس باستطاعتهم تعديل المراسيم بقوانين، إذ تشترط عليهم اللائحة الداخلية التي وضعتها الحكومة قبول المرسوم كاملاً أو رفضه كاملاً، وهو ما حدث حين مناقشة المرسوم بقانون بشأن التأمين ضد التعطل، إذ وقع المجلسين في حيرة بين رفض المرسوم وتضييع فرصة لإقرار هذا القانون الحيوي بسبب نسبة 1% التي يتحملها الموظفون، أو قبوله بالكامل رغم ملاحظاتهم على بعض بنوده[iv].

ثانياً: التعديلات التي أدخلت على قانون النقابات العمالية:

نص المرسوم بقانون موضوع الحديث، على تعديل البندين (1 و3) من المادة (8) والمادة (10) من قانون النقابات العمالية، وبإضافة فقرة على نص المدة (17) من نفس القانون.

ففي تعديل المادة (8) تم إضافة كلمة على نص الفقرة (1) والتي كانت تنص على " يجوز لكل نقابتين أو أكثر من النقابات العمالية أن تنشئ فيما بينها اتحاداً نقابياً. ويكون إنشاء الاتحاد النقابي والانضمام إليه بعد موافقة أغلبية أعضاء الجمعية العمومية للنقابة العمالية"، حيث تم إضافة "النقابات العمالية المتشابهة"، وأصبح النص بعد التعديل كالتالي " يجوز لكل نقابتين أو أكثر من النقابات العمالية المتشابهة أن تنشئ فيما بينها اتحاداً نقابياً، ويكون إنشاء الإتحاد النقابي والانضمام إليه بعد موافقة أغلبية أعضاء الجمعية العمومية للنقابة العمالية".

أما الفقرة الثالثة، فكانت تنص على "يمثل عمال مملكة البحرين في المحافل الدولية وفي المفاوضة الجماعية مع أصحاب الأعمال ومنظماتهم على مستوى المملكة، الاتحاد النقابي الأكثر تمثيلاً للعمال من حيث عدد العمال المنتمين إلى النقابات أعضاء الاتحاد، ويصدر بتسمية الاتحاد النقابي الذي يمثل عمال مملكة البحرين قرار من الوزير المختص".

وأصبحت الفقرة بعد التعديل "يمثل عمال مملكة البحرين في المحافل الدولية وفي المفاوضات الجماعية مع أصحاب الأعمال ومنظماتهم على مستوى المملكة ، الإتحاد النقابي الذي يصدر بتسميته قراراً من الوزير المختص".

أما المادة العاشرة فكانت تنص على "للعمال في أية منشأة أو قطاع معين أو نشاط محدد أو صناعات أو حرف متماثلة أو مرتبط بعضها ببعض تأسيس نقابة خاصة بهم وفق أحكام هذا القانون، ويكون للعاملين المخاطبين بأنظمة الخدمة المدنية حق الانضمام إليها، ولا يجوز تكوين أكثر من نقابة واحدة لعمال المنشأة الواحدة".

وأصبحت بعد التعديل "للعمال في أية منشأه أو قطاع معين أو نشاط محدد أو صناعات أو حرف متماثلة أو مرتبط بعضها ببعض تأسيس نقابة أو أكثر خاصة بهم وفق أحكام هذا القانون، على ألا يكون تأسيس النقابة على أساس طائفي أو ديني أو عرقي، ويكون للعاملين المخاطبين بأنظمة الخدمة المدنية حق الانضمام إليها".

وأضاف المرسوم بقانون فقرة جديدة على نص (17) نصت على "ويحظر على من تثبت مسئوليتهم عن وقوع المخالفات التي دعت إلى حل المنظمة النقابية العمالية أو مجلس إدارتها ترشيح أنفسهم لعضوية مجلس إدارة آية منظمة نقابية عمالية إلا بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ صدور قرار أو حكم قضائي نهائي بالحل".

ثالثاً: مدى انسجام التعديلات ومعايير العمل الدولية:

صرح وزير العمل جميل حميدان بأن التعديلات التي أدخلت على قانون النقابات العمالية "تتوافق والمعايير الدولية"[v]، مشيراً في تصريحه إن "أبرز التعديلات التي جاء بها المرسوم هو إجازة تشكيل اتحادات بين النقابات العمالية التي تتشابه فيما بينها في المهن أو القطاعات التي تمثلها بعد موافقة أغلبية الجمعية العمومية للنقابة العمالية".

وقال "أصبح من حق العمال في أية منشأة أو قطاع معين أو نشاط محدد أو صناعات أو حرف متماثلة أو مرتبط بعضها ببعض تأسيس نقابة أو أكثر خاصة بهم، شريطة ألا يكون تأسيس النقابة على أساس طائفي أو ديني أو عرقي".

وأضاف "بموجب هذه المادة فإن القانون فتح المجال أمام عمال المنشأة في تشكيل أكثر من نقابة عمالية للدفاع عن مصالحهم منعاً للاحتكار النقابي الذي يمكن أن تمارسه النقابة الوحيدة الموجودة بالمنشأة وسيخلق نوعاً من التنافس بين النقابات والاتحادات لصالح العمال مما ينعكس إيجاباً على الدفاع عن مصالح العمال".

واعتبر الوزير أن "حظر القانون على كل من يثبت مسؤوليتهم عن وقوع مخالفات أدت إلى حل المنظمة النقابية أو حل مجلس إدارتها ترشيح أنفسهم لعضوية مجلس إدارة أية منظمة نقابية عمالية إلا بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ صدور قرار الحل الاختياري أو حكم قضائي نهائي بالحل، جاء من منطلق الحرص على حسن سير العمل بالنقابات والاتحادات النقابية ومنعاً للمخالفات التي يمكن أن يرتكبها بعض أعضاء مجلس الإدارة".

وأوضح أن "التعدد النقابي أمر تقرره معايير العمل الدولية والعربية، وهو ليس إجبارياً بل يترك الأمر لاختيار العمال بين الوحدة والتعدد".

وبشأن تمثيل عمال البحرين في المحافل الدولية، قال حميدان أن المرسوم بقانون أوكل لوزير العمل إصدار قرار بتسمية الاتحاد الأكثر تمثيلاً الذي يمثل عمال المملكة في المحافل الدولية مثل منظمتي العمل الدولية والعربية، وكذلك تمثيل العمال على المستوى الوطني في المفاوضات الجماعية التي تتم مع منظمة أصحاب الأعمال.

وكلام الوزير مردود عليه، من عدة أوجه:

1- الحرية النقابية وحماية حق التنظيم:

من باب التوضيح، لا توجد في معايير العمل اتفاقية دولية رقم (47) لسنة 1948 بشأن الحريات النقابية، وأعتقد أنها وردت خطأً في الطباعة، وطافت على سعادة الوزير، ووكيله ووكلائه المساعدين ومستشاريه، وعلى العلاقات العامة في الوزارة، وأيضاً طافت على جميع الصحف ومحرريها وصحفييها الذين يفترض فيهم أن يكونوا على إلمام بالاتفاقيات العمالية، سيما وإن بعضهم متخصصون في الشأن العمالي.

والاتفاقية المقصودة هي الاتفاقية رقم (87) لسنة 1948م، وهي إحدى الاتفاقيات الثمانية التي تشكل مجتمعة إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل الذي أقره مؤتمر العمل الدولي في الدورة (86) في العام 1998م.

وتنص الاتفاقية رقم (87) بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم على حرية العمال وأصحاب العمل، دون أي تمييز، الحق دون ترخيص سابق في تكوين منظمات يختارونها وكذلك الحق في الانضمام إليها لتعزيز مصالحهم والدفاع عنها بشرك التقيّد بلوائح هذه المنظمات، كما تقر الاتفاقية بحق المنظمات العمالية ومنظمات أصحاب العمل الحق في تكوين اتحادات واتحادات عامة وفي الانضمام إليها، ولأي من تلك المنظمات والاتحادات الحق في الانضمام إلى المنظمات الدولية ذات العلاقة.

وللمنظمات سواء أكانت منظمات عمالية أو لأصحاب العمل الحرية في وضع دساتيرها ولوائحها الإدارية وانتخاب ممثليها بحرية كاملة وتنظيم إدارتها ونشاطها وإعداد برامج عملها، كما تمنع الاتفاقية على السلطات العامة أي تدخل من شأنه تقييد هذا الحق أو إعاقة ممارسته كما لا يجوز لها حل أو وقف نشاطها من خلال قرار إداري[vi].

وتوّضح لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل الدولية في تقاريرها مفهوم الحرية النقابية وتعدديتها، إذ تقول "يقتضي حق العمال ضمناً في إنشاء منظمات يختارونها بأنفسهم أن تتوافر في شكل خاص الإمكانية الفعلية لقيام أكثر من منظمة عمال واحدة لكل مؤسسة إذا رغب العمال في ذلك[vii]".

وتضيف في تقرير آخر "لا تتلاءم الفقرة الشرطية الواردة في القانون والتي تحظر إنشاء نقابة ثانية في المؤسسة نفسها مع المادة (2) من الاتفاقية رقم (87) التي تضمن حق العمال في إنشاء منظمات يختارونها بأنفسهم وينضمون إليها بملء إرادتهم من دون ترخيص مسبق[viii]".

2- تشكيل الاتحادات العمالية:

ضيّقت الفقرة (1) من المادة (8) بعد تعديلها نطاق التعددية النقابية في إطار تشكيل الاتحادات العمالية، من حيث حصرها لتشكيل الاتحادات العمالية في النقابات المتشابهة، والتي كانت تعرف في النظام الأساسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بالنقابات القطاعية، بينما كان النص قبل التعديل مطلقاً، بمعنى كان بإمكان أي نقابتين أو أكثر تشكيل اتحاداً فيما بينها، ولم يشترط المشرع أن تكون النقابات متشابهة.

وكمثال على ذلك، كان القانون يُجيز أن تُشكل نقابة (بابكو) ونقابة (ألبا) ونقابة (باس) اتحاداً فيما بينهم، كونه- أي القانون- لم يتشرط أن تتشابه النقابات، أما الآن وبعد التعديل، فلا يمكن للاتحادات أن تتشكل إلا في إطار النقابات المتشابهة، بمعنى أن تُشكل النقابات العاملة في مجال النقل والمواصلات (دي أتش أل، كارس، باس، طيران الخليج) اتحاد، وتلك العاملة في مجال النفط (بابكو، بناغاز) اتحاداً، وهلم جرا.

وبمفهوم المخالفة، ولعدم إمكانية الاجتهاد في التفسير في معرض وجود نص صريح، فإن القانون لا يجوّز تشكل اتحادات بين نقابات مختلفة، والدليل على ذلك، إن النص، وكما سبق بيانه، حصر التشكيل في النقابات المتشابه، ولو كان المشرع راغباً في توسيع دائرة تشكيل الاتحادات، كان الأولى به الإبقاء على النص كما كان سابقاً، لأنه أشمل، ولم يشترط التشابه.

وتفرض هذه القراءة تساؤلات كثيرة وهامة حول مستقبل الحركة النقابية والعمالية في البحرين، أهمها وضعية الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين القانونية، فحسب التفسير أعلاه، هل ستقدم السلطة على حل الاتحاد القائم بحجة عدم قانونيته، بالتأكيد بعد أن يمرر المرسوم بقانون في مجلسي الشورى والنواب، وهل يجوز لاتحاد قطاعي أو مهني أن يمثل جميع عمال البحرين في المجالس الثلاثية، كهيئة تنظيم سوق العمل، صندوق العمل، الهيئة العامة للتأمين الاجتماعية وغيرها من المؤسسات التي تتشكل بممثلين عن العمال؟، وهل من الجائز أن يمثل اتحاد قطاعي أو مهني عمال البحرين جميعهم في المحافل الدولية والعربية، وغيرها من التساؤلات، وجميعها خاضعة للكيفية التي ستفسر بها السلطة المرسوم، فضلاً عن التعاطي العملي معها، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار التعديلات الأخرى، ومنها تسمية الوزير المعني الاتحاد الذي يمثل عمال البحرين في المحافل الدولية وفي المفاوضة الجماعية.

ونخلص في هذا الصدد إلى أن التعديل في المادة (8) الفقرة (1) جاء مخالفاً لمفهوم الحرية النقابية التي نصت عليها مواثيق منظمة العمل الدولية، من حيث السماح للعمال بتشكيل منظماتهم النقابية بحرية سواء على المستوى القاعدي (النقابات) أو على مستوى القيادي (الاتحادات العمالية)، وذلك بأن تم حظر تشكيل أي اتحاد عمالي آخر بين نقابات غير متشابهة، والتعارض أيضاً تم في إطار تدخل السلطات في الهيكلية للمنظمات النقابية والتي يشترط- حسب معايير العمل الدولية- أن تكون حقاً خالصاً للعمال.

وما يؤكد ذلك، التقارير الكثيرة الصادرة عن لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل الدولية، والتي تفسر النصوص الواردة في الاتفاقية (87)، حيث تقول "إن المبدأ المطروح في المادة (2) من الاتفاقية رقم (87) التي تنص على حق العمال بتأسيس منظماتهم والانتساب إليها باختيارهم المستقل، يقتضي ضمناً حق المنظمات نفسها بتأسيس اتحادات واتحادات كونفيدرالية والانتساب إليها باختياره المستقل[ix]".

وتضيف "إن الحكم الذي يمنع النقابات في أقسام مختلفة من تأسيس اتحادات، يشكل حداً من حق المنظمات العمالية في تأسيس الاتحادات والاتحادات الكونفيدرالية التي تعترف بها المادة (5) من الاتفاقية رقم (87)"[x].

وتؤكد في نفس التقرير على "يشكل أي حد، مباشراً كان أم غير مباشر، لحق النقابات في تأسيس جمعيات اتحادات من قطاعات متشابهة أو مختلفة والانتساب إليها، على مستوى إقليمي، خرقاً لمبادئ الحرية النقابية"[xi].

3- تمثيل عمال البحرين في المحافل الدولية والمفاوضة الجماعية:

تؤكد معايير العمل الدولية على أهمية التشاور، المفاوضة مع المنظمات العمالية أو منظمات أصحاب العمل الأكثر تمثيلاً، ويشمل ذلك الحكم أيضاً تمثيل النقابة أو الاتحاد للعمال في الحافل المحلية والدولية.

وتنص الاتفاقية رقم (150) بشأن إدارة العمل "على الدولة اتخاذ الترتيبات المناسبة للظروف الوطنية لتكفل قيام مشاورات وتعاون ومفاوضات بين السلطات العامة والمنظمات الأكثر تمثيلاً لأصحاب العمل والعمال".

وفي هذا الصدد، تؤكد لجنة الحريات النقابية أن "اعتراف صاحب العمال بأهم النقابات الممثلة في مؤسسته، أو أكثرها تمثيلاً، حجر الأساس لأي مفاوضة جماعية[xii]".

وتضيف أن "على السلطات المختصة، وفي مطلق الأحوال، أن تكون لها السلطة في فتح تحقيق موضوعي في شأن أي اتحاد يدعي تمثيل غالبية العمال في التزام ما، شرط أن يكون هذا الادعاء معقولاً. وفي حال وجد الاتحاد ممثلاً للغالبية من العمال، فعلى السلطات اتخاذ التدابير الوفاقية المناسبة للحصول على اعتراف صاحب العمل به من أجل غايات المفاوضة الجماعية[xiii]".

كما للسلطات الحق في "تنظيم انتخابات لتسمية اتحاد الغالبية الذي سيمثل العمال من أجل غايات المفاوضة الجماعية"، مشيرة إلى أن "هذه الانتخابات تحصل فقط في حال ريبة العمال فيما يتعلق بالاتحاد الذي يريدون أن يمثلهم[xiv]".

وعلى هذا الأساس، فإن التعديل الذي أدخل على المادة (8) في فقرتها (3) والذي قضى بأن يكون ممثل العمال في المحافل الدولية وفي المفاوضة الجماعية هو "الإتحاد النقابي الذي يصدر بتسميته قراراً من الوزير المختص"، غير منسجم ومعايير العمل.

وقول الوزير بأن "المرسوم بقانون أوكل إصدار قرار تسمية الاتحاد الأكثر تمثيلاً الذي يمثل عمال المملكة في المحافل الدولية وفي المفاوضة لوزير العمل"، ليس له سند قانوني، فالنص جاء مطلقاً ولم يجبر الوزير على تسمية الاتحاد الأكثر تمثيلاً، وترك له الحرية في اختيار الممثل، هذا من جهة. من جهة أخرى، كان النص السابق أوفى وأشمل، إذ يذكر أن الاتحاد الذي يسميه الوزير يجب أن يكون ذو التمثيل الأكبر من حيث عدد المنتمين إلى النقابات الأعضاء في الاتحاد، وهنا نتساءل، لماذا حذفت هذه الفقرة طالماً أن التمثيل سيكون للاتحاد الأكثر عضوية، فالمشرع حين يصوغ القوانين، يفترض فيه دقة الصياغة ووضوح المعاني.

4- التعددية النقابية في المنشأة أو في القطاع أو الحرفة:

هذا التعديل لا غبار عليه من حيث توافقه ومعايير العمل الدولية، فمن حق أي مجموعة سواء في مؤسسة واحدة أو أصحاب مهنة أو حرفة واحدة من تشكيل نقابتهم حتى وإن تواجدت نقابة أخرى، مع التأكيد على أن مسألة التعدد أو الوحدة هي مسألة يفرضها الجسم العمالي، ولا تأتي بفرض من أصحاب العمل أو السلطات الرسمية.

وقد نصت معايير العمل الدولية، والتي استعرضتها أعلاه، على حرية العمال في تشكيل مؤسساتهم، بل واعتبرت النص خلاف ذلك مخالفة لمعايير العمل، ولكنها في ذات الوقت لم تشترط إيراده بشكل واضح، بل اعتبرت النص على التعددية أمراً محبذاًَ.

وما يجدر ذكره في هذا المعرض، أن هذا التعديل سبق وأن طُرح على المجلس الوطني بغرفتيه، ورفض، خصوصاً بعد لوبي الضغط الذي شكلته غرفة تجارة وصناعة البحرين آنذاك، والتي تقاطعت مع موقف الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.

وقد خلص مجلس الشورى أثناء نقاشة لموضوع التعددية أنه "في ضوء الظروف المحيطة بالعمالة في البحرين وبالتنظيم النقابي فيها لا يوجد ما يدعو إلى تعديل الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من مشروع القانون بما يجيز تكوين أكثر من نقابة عمالية في المنشأة الواحدة، طالما أن القانون كفل في مختلف نصوصه ضمانات واسعة للحرية النقابية للعمال".

وأشار إلى أن "التحول من عدم جواز التعددية النقابية إلى النص بشكل مباشر إلى جواز تكوين أكثر من نقابة لعمال المنشأة الواحدة، ينطوي على معنى التشجيع والحث على تكوين أكثر من نقابة، وهو أمر لا ترى اللجنة أنه يحقق مصلحة هذا المجال، إذ سيؤدي إلى تحويل النقابات إلى اصطفافات سياسية وطائفية الأمر الذي سيضر بالحركة العمالية ويخرج النقابات من مسارها الصحيح".

إلا أن الغريب في هذا الموضوع، هو موقف غرفة تجارة وصناعة البحرين، والتي سبق لها وأن قادت لوبي رفض التعددية.

فقد رفضت الغرفة التعديل على قانون النقابات الذي رفع في 2 مارس 2008م، لمجلس النواب وطالبت الغرفة بضرورة الإبقاء على نص المادة (10) كما وردت في المرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2002 بإصدار قانون النقابات العمالية من دون أي تعديل، والتي تنص على (ولا يجوز تكوين أكثر من نقابة واحدة لعمال المنشأة الواحدة).

ورأت الغرفة في مرئياتها التي بعثت بها آنذاك لرئيس مجلس الشورى أن "تكوين النقابات العمالية على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية هو حق مكفول للعمال بموجب دستور مملكة البحرين وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولكن تعديل القانون بحيث يجيز تعدد النقابات العمالية في المنشأة الواحدة سينطوي على الكثير من السلبيات".

وأشارت إلى أن "تعدد النقابات العمالية في المنشأة الواحدة بحد ذاته يُشكل خطرا على العمل النقابي ويؤدي إلى إبعاده عن الدور الحقيقي لتكوين النقابات العمالية في الدفاع عن العاملين، إذ إن تعدد النقابات في المنشأة الواحدة قد يؤدي إلى استغلال ذلك الحق من قبل بعض أصحاب العمل لإنشاء نقابة تخدم مصالحهم، وإن المادة (10) من قانون النقابات العمالية لم تحدد حدا أدنى لعدد العمال لتكوين نقابة عمالية في المنشأة، وبالتالي يسمح بتشكيل نقابة عمالية مهما كان عدد العمال الراغبين في تكوين نقابة[xv]".

وخرج مؤخراً رئيس الغرفة عصام فخرو بموقف مغاير لما ذهبت إليه الغرفة آنذاك، وهو موقف قد يأتي في سياق التماهي الذي تمارسه الغرفة مع الحكم بعد أحداث 14 فبراير الماضي، ومساهمتها في السياسة المكارثية التي أصبحت سائدة في البلد، سواء من حيث إقالة عدد من أعضاء مجلس إدارة الغرفة بحجة تعاطفهم أو مشاركتهم في حراك 14 فبراير، أو من حيث النكوص بتعهداتها أمام الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بعدم تعرض أي من العمال للفصل جراء الإضرابين الذين دعا لهما الاتحاد.

واعتبر فخرو أن "تعديل قانون النقابات العمالية يؤكد التزام حكومة البحرين التام بمعايير العمل الدولية بشأن حرية تكوين النقابات والتعدد النقابي، وأن التعدد النقابي سيؤدي إلى القضاء على فكرة الاحتكار النقابي وسيسهم بلا شك في إعطاء مزيد من الاستقلالية وإطلاق الحريات العمالية، وأن هذا التعديل سيتمخض عنه أمور إيجابية لعل أهمها الدفاع عن مصالح العمال وتحقيق مطالبهم وحماية مكاسبهم، والتعبير عن إرادتهم ومواقفهم وتحسين شروط وظروف العمل، وحق العمال في انتخاب ممثليهم وقياداتهم بحرية ودون أية وصاية أو إملاءات سياسية وفقاً للدستور والقانون[xvi]".

وهنا أيضاً يثور تساؤل، هل الأسباب التي دعت مجلسي الشورى والنواب لرفض مسألة التعددية، وكذلك موقف غرفة تجارة وصناعة البحرين، تغيرت؟!.

5- حظر ترشح النقابيين لمدة 5 سنوات:

تقتضي الحريات النقابية ضمناً حق العمال وأصحاب العمل في انتخاب ممثليهم في حرية تامة، وللعمال وأصحاب العمال تحديد شروط انتخاب قادتها، كما يتعين على السلطات الإحجام عن القيام بأي تدخل لا يتلاءم وحق هذه المنظمات في انتخاب ممثليها في حرية تامة على النحو المضمون في الاتفاقية رقم (87) بشأن الحريات النقابية وحماية حق التنظيم[xvii].

وتذهب اللجنة إلى أبعد من ذلك، حينما تقول "فيما يتعلق بالتشريع الذي ينص على تجريد الشخص من أهليته لتولي مراكز تنفيذية أو إدارية في نقابة عمالية، استناداً إلى حكم صادر عن أية محكمة كان قد قضى بسجنه لشهر واحد أو أكثر، مع استثناء الحكم المتعلق بالجرائم السياسية، فمن المحتمل تفسير هذا التشريع في فقرته الشرطية العامة بطريقة يتم من خلالها استبعاد أي فرد من مراكز المسؤولية النقابية، بسبب إدانته على نشاطاته ذات الصلة بممارسة الحقوق النقابية، كمثل انتهاك القوانين التي تحكم عمل الصحافة، الأمر الذي يجعل التشريع المذكور وعلى نحو غير ملائم، مقيداً لحق النقابيين في اختيار ممثليهم في حرية[xviii]".

ومن خلال تلك الشروح التي توردها لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل الدولية، يمكن الذهاب إلى أن الحظر الذي أورده المرسوم بقانون على ترشح النقابيين لمدة خمس سنوات، هو شرط لا يتفق ومعايير العمل الدولية، كونه يقيد حرية النقابيين من جهة، والعمال من جهة في اختيار من يمثلهم في أطرهم النقابية على المستويين، النقابات والاتحادات.

ولا يمكن أخذ تلك التعديلات، وبالأخص موضوع حظر ترشح النقابين، خارج سياق الدعاوى القضائية المتزايدة التي ترفع ضد النقابيين، والتي من المقرر أن تبدأ في أواخر شهر أكتوبر الجاري، والهجوم المستمر على الجسم العمالي سواء على مستوى النقابات أو مستوى الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.

الخلاصة:

إن القراءة التي حاولت فيها تبيان ماهية التعديلات على قانون العمل وتوضيح مدى توافقها ومعايير العمل الدولية، تبين بوضوح بأن أغلب التعديلات جاءت مخالفة لمعايير العمل الدولية، كما أن تعلل الوزير بتوافقها والاتفاقية (87) بشأن الحريات النقابية وحماية حق التنظيم، يفرض عليه أن يؤمن بحق العمال والموظفين في القطاع الحكومي من تشكيل نقاباتهم واتحاداتهم بحرية كما تنص عليها الاتفاقية التي يستند إليها، وإعادة الاعتبار لكل من النقابيين رئيس نقابة البريد جمال عتيق ونائبته نجية عبدالغفار، ويضاف إلى ذلك إلى أن الفصل رقم (15) الوارد في اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية، تنص وبشكل صريح على ضرورة أن تقوم أطراف الاتفاق- أميركا والبحرين- بتطبيق معايير العمل الدولية، وبالأخص تلك الواردة في إعلان المبادئ الأساسية في العمل.

إن قراءة التعديلات على قانون النقابات العمالية والتي صدرت بمرسوم بقانون، لا يمكن أن تؤخذ خارج سياق الحراك السياسي والمطلبي في البحرين، وما تتعرض له الحركة العمالية والنقابية، سواء من حيث فصل النقابيين وآلاف من العمال، وسعي الشركات والمؤسسات إلى إقصاء النقابات في أكثر من مؤسسة، ما يستوجب أن تتراجع الحكومة عن هذا النهج الذي هو بالتأكيد سيكون وبالاً عليها في المحافل الدولية.



[i] - ]نص المرسوم- وكالة أنباء البحرين- http://www.bna.bh/portal/news/475809 [

[ii] - ]مراسيم الضرورة- جريدة الجريدة الكويتية- http://www.aljarida.com/aljarida/Article.aspx?id=55456

[iii] - ]مراسيم الضرورة- جريدة اليوم الكويتية- http://www.alamalyawm.com/ArticleDetail.aspx?artid=99977

[iv] - ]اللائحة الداخلية لمجلس النواب وضعتها الحكومة ولم يقرها المجلس بنفسه، وحينما حاول في أحد الفصول التشريعية تعديلها، قوبل ذلك التعديل برفض مجلس الشورى المعين!!

[v] - وزير العمل- صحيفة أخبار الخليج http://www.akhbar-alkhaleej.com/m/Article.php?articleid=467337

[vi] - ]دليل معايير العمل الدولية- منظمة العمل الدولية (المركز الدولي للتدريب)- ص17- 18.

[vii] - ]تقرير اللجنة رقم (295) القضية رقم (1571) الفقرة (373).

[viii] - ]تقرير اللجنة رقم (218) القضية رقم (1133) الفقرة (111).

[ix] - ]لجنة الحريات النقابية- موجز 1985- الفقرة 506.

[x] - ]لجنة الحريات النقابية- موجز 1985- الفقرة 513.

[xi] - ]لجنة الحريات النقابية- موجز 1985- الفقرة 516.

[xii] - ]لجنة الحريات النقابية- موجز 1985- الفقرة 618.

[xiii] - ]لجنة الحريات النقابية- موجز 1985- الفقرة 621.

[xiv] - ]لجنة الحريات النقابية- موجز 1985- الفقرة 622.

[xv] - ]الغرفة ترفض التعددية النقابية- صحيفة الوسط- http://www.alwasatnews.com/2031/news/read/286250/1.html

[xvi] - ]إطلاق الحريات النقابية يخدم أصحاب الأعمال والنشاط الاقتصادي- صحيفة الأيام- http://alayam.com/newsdetails.aspx?id=18520

[xvii] - ]تقرير لجنة الحريات النقابية رقم (286)، القضية (1655) الفقرتين (227) و(278) ح[

[xviii] - حق انتخاب الممثلين في حرية تامة- الحريات النقابية

ليست هناك تعليقات: